حالة من اليأس يزأر خلفها بحر من الدموع تتلاطم أمواجه داخل عيني مشهور وتوشك أن تحطم هذا السد لتحدث فيضانا يراه كل قائم وعابر ، تتجول عيناه في وجوه تلك الجموع الحاشدة التي جاءت معبرة عن فرحتها ومقدمة التهنئة لصاحب هذا المنزل وبطل المناسبة ، أما هو فلم يكن يرغب في الظهور على مسرح الأحداث لكنه آثر التواجد منعا للقيل والقال .
يعود مشهور بذاكرته لعدة شهور مضت حينما كانت تتراقص أمام عينيه أبراج شاهقة من الأحلام التي ظل يشيدها منذ بلوغ أخيه عابد سن الستين دون إنجاب ، كانت نظرات الأقارب والمحيطين تفصح بتهنئة مشهور باعتباره الوريث الوحيد لأخيه مستقبلا ، فتلك العقارات والمزارع الشاسعة حتما ستعود إليه وتفيض خيرا على أولاده الذين يعانون شظف العيش ويتجولون بين المدن بحثا عن عمل لكن بحثهم دون فائدة .
المصابيح بكل ألوانها تحيط بمنزل عابد والسرادق يضم مئات الكراسي والمناضد التي تزخر بألوان الأطعمة والمشروبات إلى جانب أنواع الفواكه التي جادت بها المزارع العامرة ، يوم عيد تشهده القرية كلها ، الكبار ينهمون بسعادة أما الأطفال فيأكلون ويأخذون ما تبقى عند انصرافهم وكلما فرغت مائدة أمر عابد بإعمارها مرات ومرات ، يلتقط مشهور إحدى ثمرات الفاكهة ، يحاول جاهدا أن يوجه يده نحو فمه لكن المسافة بعيدة جدا .
يوجه عابد كلمته لجميع الحاضرين قائلا : أشكركم جميعا على مشاركتي فرحتي بقدوم وليدي بعد هذا العمر الطويل ، لقد أسميته طاهرا حتى يطهره الله من كل معصية ، كما أعلن لكم أنني قد بعت لأخي مشهور مزرعة من أكبر مزارعي وسأعطيه اليوم عقد البيع أمامكم ، حالة من الصمت تسود الجميع ، يقترب مشهور ويكاد عقله أن يصاب بالجنون من هول المفاجأة ، ينفجر بركان دموعه ، يسلم على أخيه ، يعانقه عناقا طويلا ، يتسلم عقد المزرعة ، يدعو الله أن يحفظ أخاه وطفله الصغير ، تعود الأحلام أمام عينيه مرة أخرى وتكسو وجهه ابتسامة عريضة ، ينصرف الضيوف بعد حصولهم على الهدايا من لحوم الذبائح وأكياس الفواكه وعلى ألسنتهم حكايات وعبر من هذا اليوم المشهود .
تعليقات
إرسال تعليق