بقلم الأستاذ الدكتور عادل خلف القليعي أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
تعالوا معي لدراسة هذه الآية العظيمة التي تحمل ما تحمله من القيم والمعاني السامية، فالله تعالي يقول ما فرطنا في الكتاب من شيئ.
وهو القائل أيضا، في وصف القرآن الكريم وأنه كتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم عليم .
لنأول هذه الآية المباركة تأويلا يخدم واقعنا المعيش بما يدحض فرية بعض المستشرقين من أن القرآن نزل لفترة معينة، ولايصلح لكل زمان ومكان، ولنرد علي من سايرهم وللأسف ممن ينتسبون لأهل القبلة سامحهم الله.
الآية نزلت في سيدنا نوح عليه السلام وهو يصنع الفلك علي أعين الله تعالي، والقوم قومه يمرون عليه ويسخرون، ولكنه امتثل لأمر الله تعالي أن اصنع الفلك والنجارة حرفته، وكان يرد عليهم إن تسخرون منا فانا نسخر منكم كما تسخرون، وانبأهم أن الله سينصره وسيحل عليهم الخزي والعذاب الأليم.
وللأسف ابنه كان عاقا لوالده وظل علي عناده وعلي الشرك والكفر.وعندما أتي أمر الله وفار التنور، جاءته البشري أن احمل في هذه السفينة من كل زوجين إثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا أنهم مغرقون.
وامتثل نوح عليه السلام لأمر الله وركب هو وصحبه في السفينة، ومن آمن وللأسف ما آمن معه إلاقليل.
وهي تجري بهم في موج كالجبال ، نادي نوح ابنه وكان في معزل يابني اركب معنا-وها هي رقة قلب الأب لابنه يدعوه إلي النجاة والابن العاق لا يستجيب_وهنا الفارق بين إسماعيل عليه السلام في طاعته وامتثاله لأوامر الله وطاعته لابيه، يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري، الامتثال والاذعان لأمر الله تعالى.افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين.
انظروا حال الشابين، الأول العاق ابن سيدنا نوح لم يمتثل فكتب عليه أن يكون مع الهالكين وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.
وسيدنا إسماعيل ولد سيدنا ابراهيم صار نبيا من المخلصين.
حالنا اليوم لا عاصم من أمر الله إلا من رحم،
نشبه بلدنا الحبيب وأمتنا العربية بسفينة النجاة سفينة نوح عليه السلام وقادتها هم الذين يمسكون بزمام الأمور، أقصد مؤسساتها كل دولة ومملكة وسلطنة علي حدي.
وركابها الشعوب.
فلنبدأ أولا بإصلاح المؤسسات، نبحث عن مواطن الخراب والفساد ومواطن الضعف فيها التي تنخر كما ينخر السوس في جدورها ونحاول أن نصلح هذا الخلل لا بالترقيع فالثوب البالي الخرق لايصلح معه حياكة ، واصلاح الفساد والمناكير من لامبالاة واستهانة واستكانة ورشاوي وما شابه ذلك لايكون إلا بالضرب بيد من حديد علي كل من تسول له نفسه بالعبث بمقدرات الشعوب واستئصال شأفتهم واراحة البلاد والعباد من أمثال هؤلاء.
واستبدالهم بآخرين حريصين علي مستقبل بلدانهم لا تحركهم مصالح شخصية ولا أغراض دونية وانما همهم ليلا ونهارا الحرص علي مستقبل أوطانهم الذي هو في المقام الأول الحرص علي مستقبل أبنائهم.
فلننقب عن هؤلاء ، فالمخلصون كثر ومن لايحركهم دافع ولا شهوة لمنصب أو جاه أو سلطان اللهم إلا دافعهم إن اريد الا الاصلاح ما استطعت، فلتبحثوا يا قادتنا عن هؤلاء_فانا نعلم أنكم تحبون الناصحين_.
أما ركاب السفينة الشعوب فحتي تستقيم هذه السفينة ولا يحدث بها خلل أو اعوجاج أو يصيبها الغرق والعياذ بالله، فما المطلوب منكم هل تتركوها وتقفزوا منها، أم نقف خلف ووراء قبطانها ومؤسساتها.
العاقل المتعقل العقول لايقول نفسي نفسي فما أهلك أقوام من قلبنا إلا الأنانية والأثرة.
العاقل يقول لا وألف لا لن اقفز منها وانما أجتهد وأكد واعمل واجتهد بكل ما أوتيت من قوة وأقف بكل كياني خلف ربانها كل في مكانه الطبيب في مشفاه، المهندس في مصنعه الكيميائي في معمله، القاضي في قضائه، الضابط ، والجندي في حراسته، المعلم في مدرسته، الأستاذ الجامعي في قاعات درسه لا يحيدوا ولا يميدوا عن الصواب والجادة
صحيح قد تكون المهمات شاقة والأراضي ليست ممهدة بالورود، وقد نصاب بالاخفاق أحيانا كثيرة، وقد نحقق طموحاتنا، ونخفق وننجح لكن أنا تسألنا هل نوح عليه السلام كان طريقه ممهدا بالورود، هل إبراهيم الذي ألقي في النار كان طريقه ممهدة بالياسمين، هل محمد صلي الله عليه وسلم كان طريقه مفروش بالزعفران، من منا ألقي علي ظهره القاذورات، من منا ضرب حتي تورمت قدماه وسال الدم من قدمه، الحبيب حدث له ذلك ولم يمل الدعوة الإصلاحية ولم يكل.
ولا أحد يقول هؤلاء أنبياء، ولسنا كذلك أرد عليك فورا لنا فيهم الأسوة والقدوة الحسنة.
نحن عندما نحقق المعادلة الصعبة فسيكون الله تعالي من وراء القصد ستتنزل علينا رحمات الله تعالى، فلا عاصم لنا من كل هذه الأمور إلا الله سبحانه وتعالي شريطة أن نبدأ الخطوة الأولي، وسيرحمنا الله تعالي ويجعلنا من المرحومين الفائزين في الدارين الدنيا بأن نحقق السعادة لأنفسنا ولأهلنا ولمجتمعنا ولأمتنا العربية.
وسأذكر آية كريمة لخصت الموضوع برمته،(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكه ألا تخافوا ولاتحزنوا وابشروا بالجنة التي كتنم توعدون نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ماتشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدعون)
فهل سنحافظ علي سفينة نجاتنا السؤال لكم جميعا، لانقول كلام انشائي أو للاستهلاك، وانما هي محاولة للاصلاح،ان أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
شكرا حزيلا.
تعليقات
إرسال تعليق